# مدى انفتاح صناعة الأفلام على الاستثمار الأجنبي: نظرة من داخل الميدان

يا جماعة، الواحد لما بيسمع كلمة "هوليوود" أو "بوليود" بيحس إنه عالم تاني خالص، عالم مليان أضواء وشهرة واستثمارات ضخمة. لكن السؤال اللي بيخطر على بال أي مستثمر عندنا: هل الصناعة دي عندنا في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط منفتحة على الاستثمار الأجنبي؟ وهل في فرص حقيقية؟ أنا اللي شغال في مجال خدمة الشركات الأجنبية من زمان، وبالتحديد في شركة "جياشي" للضرائب والمحاسبة، شفت كتير من القصص والمحاولات. في ناس مستثمرة أجنبية كانت حابة تدخل السوق وتنتج أفلام، لكن واجهت عقبات ما تتخيلوهاش. وفي ناس تانية نجحت بطريقة أو بأخرى. الموضوع مش أبيض ولا أسود، إنما درجات من الرمادي كتير. فهيا بنا نفتح الملف ده سوا، ونتكلم عن الواقع من غير ما نحليه أو نعقده.

الإطار القانوني

أول حاجة لازم نفهمها إنه مفيش إطار قانوني موحد لكل الدول العربية. كل دولة ليها قوانينها الخاصة، وده بيخلق تحدٍ كبير جدًا للمستثمر الأجنبي. يعني إيه؟ يعني إنك لو عايز تستثمر في إنتاج فيلم في مصر، هتتعامل مع قوانين تختلف عن اللي هتتعامل معاها في الإمارات أو الأردن أو المغرب. في بعض الدول، في قيود على نسبة الملكية الأجنبية لشركات الإنتاج. يعني ممكن يسمحولك تملك 49% بس من الشركة، والباقي لازم يكون لشركاء محليين. ده غير موضوع التراخيص اللي بتكون عملية معقدة أحيانًا وتحتاج "واسطة" أو معرفة بالنظام من جوا. أنا شخصيًا اتعاملت مع مستثمر أوروبي كان عايز ينشئ شركة إنتاج صغيرة في إحدى الدول العربية، والموضوع أخذ منه تقريبًا سنة كاملة علشان يوافقوا على التراخيص، وكان محتاج يقدم ورقة تلو التانية. النظام بيركز كثيرًا على "حماية الصناعة المحلية"، وده مفهوم، لكن أحيانًا بيخلق حواجز بتخلي المستثمرين الكبار يحجمون عن الدخول. غير موضوع الرقابة على المحتوى اللي بتكون صارمة في مناطق، ومرنة في مناطق تانية، وده بيأثر على قرار الإنتاج نفسه.

في المقابل، في دول بدأت تفتح الباب أكثر، زي الإمارات والمملكة العربية السعودية حديثًا. السعودية مثلاً، ضمن رؤية 2030، عاملة استثناءات وتسهيلات كبيرة لجذب الاستثمار في قطاع الترفيه، بما فيه الأفلام. فيه مناطق اقتصادية خاصة قوانينها مختلفة ومشجعة. لكن برضه، حتى في الدول المنفتحة، لازم المستثمر يفهم إنه مش هيدخل سوق "مفتوح 100%"، لسه في شروط متعلقة بالمحتوى والطاقم الفني والعاملين. ده غير الإجراءات الضريبية والجمركية لاستيراد معدات تصوير متطورة، اللي ممكن تكون مكلفة وتستغرق وقت. فالإطار القانوني هو الأساس، ومش هتقدر تتحرك خطوة من غيره.

ما هو مدى انفتاح إنتاج وتوزيع الأفلام على الاستثمار الأجنبي؟

التمويل والمخاطر

الاستثمار في الأفلام مش زي الاستثمار في عقار أو مصنع. دي صناعة إبداعية ومخاطرة فيها عالية. المستثمر الأجنبي بيخش ومعه رأس المال، لكنه بيواجه سؤال كبير: إزاي هيرجع فلوسه؟ وهل في ضمانات؟ الحقيقة المؤلمة إن الضمانات قليلة. شباك التذاكر في كثير من الأسواق العربية مش مستقر، ومش متوقع. فيلم ممكن ينجح نجاح ساحق، وعشرة أفلام ممكن تخسر. ده بيخلي كثير من المستثمرين المحافظين يحجمون، أو يدخلوا بحذر شديد. أنا شفت حالات لمستثمرين خليجيين دخلوا في إنتاج أفلام بميزانيات كبيرة مع مخرجين معروفين عالميًا، والفيلم فشل تجاريًا، وسبّب خسائر فادحة. المشكلة إنه مفيش تأمين أو أدوات مالية متطورة كفاية في المنطقة لتغطية مخاطر الصناعة دي، زي ما موجود في هوليوود مثلاً.

كمان، موضوع التمويل المشترك (Co-Production) بقى وسيلة منتشرة. المستثمر الأجنبي ممكن يدخل كشريك مع منتج محلي، والمنتج المحلي ده بيكون عنده المعرفة بالسوق والمخرجين والطاقم والممثلين. ده بيقلل المخاطر شوية، لأن الشريك المحلي بيكون عارف "طعم الأرض". لكن هنا بيظهر تحدّي آخر، وهو الثقة وتقسيم الأدوار والأرباح. العقود بتكون معقدة وتحتاج محامٍ فاهم في المجال الفني والمالي مع بعض. كثير من المرات، النزاعات بتكون على "حقوق الملكية الفكرية" للفيلم، وخصوصًا حقوق التوزيع الخارجي والرقمي. المستثمر الأجنبي عايز يحقق أرباح من كل منافذ العرض في العالم، والمنتج المحلي ممكن يكون تركيزه على السوق المحلية أو الإقليمية. التفاوض على هذي النقاط بيكون محوري.

التوزيع والعرض

ده من أصعب الحلقات في السلسلة. انت لو أنتجت فيلم رائع، إزاي هتوصلله للناس؟ شباك التذاكر التقليدي (الصالات السينمائية) في كثير من الدول العربية لسه مش ناضج كفاية، وعدد الصالات قليل مقارنة بعدد السكان. غير منافسة الأفلام الأجنبية (الأمريكية خصوصًا) اللي بتسيطر على أغلب العروض. فالمستثمر الأجنبي اللي دافع فلوس في إنتاج فيلم عربي، هيواجه تحدي إنه يضمن للفيلم وقت عرض كويس في الصالات. ده كثيرًا بيحتاج علاقات و"لوبيات" مع شركات التوزيع الكبيرة، اللي أغلبها بيكون ليها اتفاقات مع استوديوهات عالمية. فتبقى المعركة غير متكافئة.

في السنوات الأخيرة، ظهر منفذ توزيع قوي جدًا، وهو المنصات الرقمية (الستريمينج) زي "شاهد" و"نتفليكس" و"أوسن". دي فتحت باب أمل كبير. المستثمر الأجنبي ممكن يتعاقد مباشرة مع المنصة دي على إنتاج أو شراء حقوق عرض فيلم، وبيحصل على عائد مضمون نسبيًا، حتى لو الفيلم ما عُرض في صالات. ده خفف من حدة مشكلة التوزيع. أنا عندي عميل (مستثمر من آسيا) دخل في اتفاقية مع منصة كبيرة لإنتاج مسلسل، وكان الاتفاق شامل لحقوق العرض في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. الاتفاقية كانت معقدة من الناحية الضريبية، لأن العائد كان بيكون على شكل "حقوق ترخيص" تدفع من خارج البلاد، وده خلّق التزامات ضريبية في أكثر من دولة. لكن بشكل عام، المنصات الرقمية غيرت اللعبة وجعلت الاستثمار أكثر جاذبية، لأنها وفرت قناة توزيع عالمية ومباشرة.

البيروقراطية والإجراءات

والله يا جماعة، ده أكتير حاجة بتتعب المستثمر الأجنبي. الإجراءات البيروقراطية في كثير من الدول العربية بتكون بطيئة ومعقدة. تخيل معايا: علشان تجيب تصريح تصوير في مكان عام، محتاج موافقات من خمس أو ست جهات حكومية مختلفة. كل جهة ليها أوراقها ووقتها. المستثمر الأجنبي اللي معمول عنده الوقت قيمة والجداول زمنية مضبوطة، بيصاب بصدمة من البطء ده. غير الإجراءات الجمركية لاستيراد الديكورات أو الملابس أو حتى كاميرات خاصة. أنا أذكر حالة لفيلم كان فيه مشهد يحتاج سيارات كلاسيكية نادرة، المستثمر جابها من أوروبا، والسيارات وقفت في الجمركة ثلاثة أسابيع! طبعًا التأخير كلفه مصاريف إضافية كبيرة جدًا على فريق العمل والفندق وغيره.

في بعض الأحيان، الحل بيكون في التعاقد مع "منتج منفذ" محلي. المنتج المنفذ ده بيكون خبرته إنه يعرف يدير الإجراءات الحكومية ويقفش الطرق السريعة علشان يخلص الأوراق. وجوده بيكون ضروري جدًا، وبيوفر وقت ومال كتير. لكن ده برضه تكلفة إضافية على الميزانية. المشكلة إنه مفيش شفافية كاملة دائمًا في الإجراءات، والقوانين بتكون قابلة للتفسير بأكثر من طريقة. ده بيخلق حالة من عدم اليقين للمستثمر، وهو أكتر حاجة بيكرهها.

الثقافة والمحتوى

المستثمر الأجنبي، خصوصًا اللي من الغرب، بيكون عنده رؤية معينة للمحتوى اللي ينتجه. ممكن يكون عايز فيلم يعالج قضايا اجتماعية جريئة، أو يكون فيه مشاهد ما تتقبلش بسهولة في مجتمع محافظ. هنا بيحصل تصادم. الرقابة في كثير من الدول بتكون صارمة على المحتوى، وده بيحد من حرية الإبداع من وجهة نظر المستثمر. فبيضطر إما يعدل في السيناريو علشان يناسب الذوق العام واللوائح، وإما ينسحب من المشروع. ده غير الاختلافات الثقافية في أسلوب العمل نفسها. أنا شفت نزاعات حصلت بين مخرج أجنبي وطاقم عمل محلي بسبب اختلاف مفهوم الوقت والالتزام بالمواعيد وأسلوب التواصل. المستثمر الأجنبي بيحتاج يكون فاهم طبيعة السوق اللي بيدخل فيه، ومستعد يتكيف معها، مش يتوقع إن السوق هو اللي بيتكيف معاه.

في المقابل، في فرصة ذهبية للمستثمر اللي يفهم و يحترم الثقافة المحلية. السوق العربي سوق ضخم وعطشان لمحتوى عالي الجودة، يحكي قصصه بلغته وبطريقة أصيلة. المستثمر اللي يجي بفكرة "أنا أعرف إزاي أقول القصة أحسن منكم" هايفشل. لكن اللي يجي بمنطق الشراكة الحقيقية، ويستثمر في المواهب المحلية (كتاب سيناريو، مخرجين، ممثلين)، ويساعدهم يقدموا أفضل ما عندهم بدعم مالي وتقني، ده هايقدّم منتج ناجح وهايحقق أرباح ومكانة. النجاحات اللي شفناها في السنوات الأخيرة لأفلام عربية نالت استحسانًا عالميًا تثبت إن الجودة والمحتوى الأصيل مطلوب.

الدعم الحكومي والحوافز

أخر نقطة وحاسس إنها بتتطور بشكل إيجابي: الدعم الحكومي. كثير من الدول العربية بدأت تدرك إن صناعة الأفلام ممكن تكون مصدر دخل قومي وتخلق وظائف وتعزز الصورة الناعمة للبلد. فبدأت تقدم حوافز للمستثمرين، محليين وأجانب. الحوافز دي بتكون على شكل إعفاءات ضريبية، أو منح نقدية، أو دعم في الإيجارات، أو حتى تمويل جزئي للمشاريع. في الأردن مثلاً، فيه برنامج حوافز ضريبية وجمركية لصناعة الأفلام. في أبوظبي، "حافز" التابع لشركة "إيمج نيشن" بيقدم خصومات على خدمات الإنتاج. دي خطوات ممتازة.

بس المشكلة إن الدعم ده كثيرًا بيكون مشروط بشروط، وأحيانًا بيكون التقديم عليه معقد. المستثمر الأجنبي محتاج يكون عنده فريق محلي (مثل شركتنا في جياشي) يفهم تفاصيل برامج الديع هذي ويساعده يقدم الطلبات بالطريقة الصحيحة علشان ما يخسرش الفرصة. غير إن الدعم الحكومي بيكون مرتبط أحيانًا بشرط إن جزء من التصوير أو ما بعد الإنتاج يتم داخل البلد المانح للدعم، وده ممكن يكون مناسب أو لا حسب طبيعة الفيلم. لكن بشكل عام، اتجاه الحكومات دلوقتي نحو تقديم المزيد من الحوافز، وده بيشجع على انفتاح أكبر على الاستثمار الأجنبي.

الخاتمة والتأملات

في النهاية، يا سادة، الإجابة على سؤال "مدى الانفتاح" هي: الانفتاح موجود وبيزيد، لكنه مش سهل ولا مضمون. السوق العربي لصناعة الأفلام سوق واعد جدًا، عدد السكان كبير، والاهتمام بالمحتوى العربي عالي، والتقنيات الجديدة سهلت كثير من العمليات. لكن الطريق مليان تحديات قانونية ومالية وبيروقراطية وثقافية. المستثمر الأجنبي اللي عايز يدخل السوق ده، لازم يدخل بمنطق طويل المدى، ومش عايج يربح بسرعة. لازم يبني علاقات قوية مع شركاء محليين موثوقين، ويكون صبور على الإجراءات، ويتقبل فكرة إنه هايتعلم من السوق أكتر ما هايعلمه.

أنا شخصيًا متفائل. شفت تغيير حقيقي في العشر سنين الأخيرة. الحكومات بدأت تتعلم من تجارب غيرها، والمستثمرين الأجانب صار عندهم فضول أكبر على المنطقة. وبرأيي، المستقبل هايكون للمشاريع المشتركة اللي تجمع رأس المال والخبرة الأجنبية مع المعرفة والجذور المحلية. وطبعًا، المنصات الرقمية ها تفضل تلعب دور أكبر وأكبر، وها تخلق فرص استثمارية جديدة، خصوصًا في مجال المسلسلات والوثائقيات. اللي هاينجح هو اللي هايفهم إن الاستثمار في الفيلم مش استثمار في منتج، إنما استثمار في قصة وفي مجتمع.

رؤية شركة جياشي للضرائب والمحاسبة: في شركة جياشي، ونحن نتعامل مع مستثمرين أجانب في قطاعات متنوعة منذ سنوات طويلة، نرى أن قطاع إنتاج وتوزيع الأفلام في المنطقة العربية يمر بمرحلة تحول واعد، لكنه يحتاج إلى مقاربة استراتيجية ذكية من المستثمر. انفتاح السوق موجود، لكنه مشروط ومعقد. نجاح الاستثمار الأجنبي في هذا المجال لا يعتمد فقط على توفر رأس المال، بل على الفهم العميق للبيئة التشريعية والضريبية المتغيرة، وبناء شراكات محلية حقيقية، وإدارة المخاطر المالية والقانونية باحترافية. نحن ننصح عملاءنا الراغبين في دخول هذا المجال بإجراء دراسة جدوى متعمقة تشمل جميع الجوانب: من هيكلة الشركة القانونية والضريبية الأمثل، إلى فهم آليات الحوافز الحكومية وكيفية الاستفادة منها، وصولاً إلى صياغة العقود التي تحمي حقوق الملكية الفكرية وتوزيع العوائد. الصناعة الإبداعية تحتاج إلى دقة المحاسب وحنكة المحامي. دورنا هو توفير هذه الرؤية الشاملة، وتحويل التحديات المعقدة إلى خطوات عملية واضحة، لضمان أن يكون الاستثمار في الفن والثقافة استثمارًا ناجحًا ومستدامًا.